دوف بير بوروشوف: ﺳِﻴﺮَﺓ

عدد المشاهدات: 12
Ma'akomm

ولد: 1881، زولوتونوشا؛

توفي: 1917، كييف

كان دوف بير بوروخوف كاتبًا وسياسيًا وصهيونيًا ماركسيًا. وُلِد عام 1881 في زولوتونوشا. لم يتلق تعليمًا يهوديًا تقليديًا، بل تخرج من مدرسة روسية ثانوية، لكنه مُنع من دخول الجامعات الروسية، مما حال دون مواصلته تعليمه. انضم إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي، لكنه طُرد منه بعد تأسيسه لاتحاد العمال الصهاينة عام 1901. دفعه معاداة السامية إلى تبني الصهيونية.

في عام 1905، كتب بوروخوف كتاب “المسألة الوطنية والصراع الطبقي”، حيث جادل فيه قائلاً: “إن نفسية كل شخصية تتكيف، بدرجة أو بأخرى، مع الظروف التي تعيش فيها مجموعتها… سيكتشف المراقب الحصيف دائمًا في هذه السمات بعض العلاقة بالظروف المادية لنظام إنتاج معين أو لمرحلة معينة في تطور النظام… إن الحياة في ظل علاقات إنتاج متوافقة للأفراد في المجموعة تستدعي التضامن الطبقي. أما الحياة تحت نفس ظروف الإنتاج، عندما تكون هذه الظروف متوافقة بالنسبة لأعضاء المجتمع، فتستدعي الوعي الوطني لهذا المجتمع والشعور بالقرابة الوطنية. يشعر الأفراد بهذه القرابة على أنها شيء مرتبط بماضيهم المشترك. ومن الطبيعي أن هذا لا يعني دائمًا وجود ماضٍ مشترك حقيقي. ففي بعض الأحيان، يكون قِدم الماضي المشترك مجرد خيال. وهذا الشعور بالقرابة، الناتج عن الإدراك المشترك للتاريخ والمترسخ في الظروف المشتركة للإنتاج، يُسمى الوطنية”. ثم يواصل بوروخوف التأكيد على أن الموارد المادية للأمة والوطنية دائمًا ما تكون مترابطة، مشيرًا إلى أن أهم هذه الموارد هو الأرض.

وفي نفس العام، نشر بوروخوف عملاً آخر بعنوان “مسألة صهيون والأرض”، حيث كتب: “إن الدافع الديناميكي للحركة الوطنية اليهودية هو المعاناة الحقيقية للجماهير الناتجة عن الاغتراب الحتمي. لكن الهدف المثالي للحركة يغذيه المحتوى الروحي للأمة اليهودية. يتشكل هذا المحتوى من مجموع القيم الوطنية اليهودية، والتي عند تحريرها من أساسها الديني والصوفي نتيجة لتطبيع الشتات، تمنحنا صهيونًا أرضية تقوم على الوحدة الثلاثية: الأمة، والثقافة، والوطن. فجميع القيم الوطنية الحيوية ضرورية لرؤية الحركة الوطنية التحررية”. كما انتقد بوروخوف في هذا العمل “الإقليمية العقائدية” لدى بعض الصهاينة، قائلاً: “عندما يقارن الإقليمي العقائدي بين احتمالات جميع الأراضي الممكنة، يمكنه أن يرى الميل الوطني نحو أرض إسرائيل كميزة مهمة. ولكن الإقليمية الصرفة لا تقدم أي معايير للاختيار بين أرض إسرائيل وأي أرض أخرى تبدو أفضل من بعض النواحي، لأنها لا تستطيع قياس القيمة الوطنية الحصرية للجاذبية التي تشكلها أرض إسرائيل في مقابل ميزة أي أرض أخرى”. كان هذا الموقف بمثابة تعبير عن معارضة بوروخوف الشرسة لخطة أوغندا التي طرحها تيودور هرتزل في المؤتمر الصهيوني العالمي، والذي كان بوروخوف ناشطًا بارزًا فيه.

في الفترة ما بين 1905 و1906، ساهم بوروخوف في تأسيس حزب “عمال صهيون”، وهو حزب صهيوني ماركسي استند برنامجه إلى أفكاره السياسية. في كتابه “تياران في عمال صهيون”، كتب: “يجب على كل اشتراكي أن يطرح هذا السؤال: كيف تتداخل فكرتا التحرير العظيمتين – التحرير الاجتماعي للإنسانية الكادحة والتحرير الوطني للشعوب المضطهدة – مع بعضهما البعض؟”. ويواصل قائلاً إن حزبه “عمال صهيون” يتناول المشروعين في آنٍ واحد. وأكد بوروخوف أن حزبه “يسعى إلى حل المسألة الاجتماعية من خلال الاشتراكية والمسألة اليهودية من خلال الصهيونية”، مشيرًا إلى أن التحدي يكمن في “الربط بين الاشتراكية والصهيونية بطريقة لا تؤدي إلى تناقض بينهما، بحيث تدعم كلتا المهمتين بعضهما البعض بشكل متناغم”.

وأضاف في ذات العمل: “إن التحدي الأول هو كيفية ربط الاشتراكية بالصهيونية بحيث لا يكون هناك تناقض بينهما، وأن يتعاضدا بشكل متناغم. المشكلة تكمن في أن الاشتراكية لا تتحقق إلا من خلال الصراع الطبقي، في حين أن الصهيونية لا تتحقق إلا من خلال النضال الوطني لكل الشعب اليهودي… إن حزبنا، عمال صهيون الاشتراكي، يسعى إلى تحقيق الاشتراكية من خلال الصراع الطبقي، وتحقيق الصهيونية من خلال النضال الوطني دون التنازل عن الكفاح الطبقي ضد البرجوازية”.

كان لبوروخوف أيضًا موقف واضح تجاه مسألة السلام خلال الحرب العالمية الأولى، حيث نشر عام 1917 بيانًا بعنوان “بيان السلام لعمال صهيون”، شرح فيه مبادئ حزبه المتعلقة بالسلام، والتي تضمنت “المطالبة بنزع السلاح العام، وديمقراطية السياسات الخارجية، وحياد الطرق الدولية البرية والبحرية، وحرية التجارة والتنقل، والهجرة الحرة، والاستيطان، والحق غير المحدود لكل أمة في تقرير مصيرها بنفسها”. كما طالب بضم الحقوق الوطنية لليهود إلى معاهدة السلام، قائلاً: “رغم فقدان استقلالهم وتمزقهم من أرضهم التاريخية وتشتتهم، إلا أن الجماهير اليهودية ما زالت تشكل أمة متحدة بتاريخها ولغتها وثقافتها وعاداتها وموقعها الاقتصادي المميز. وقد قدموا تضحيات كبيرة للحفاظ على وحدتهم القومية”.

وتناول بوروخوف قضية فلسطين، مشيرًا إلى أن “فقدان الوطن هو السبب الجذري لمعاناة اليهود، حيث أدى إلى اعتماد مصيرهم على أمم أخرى، وأدى إلى وجودهم في وضع اقتصادي واجتماعي غير طبيعي”. ودعا إلى إقامة مستوطنة يهودية في فلسطين باعتبارها “خطوة ضرورية لاستعادة التوازن الاقتصادي والوطني للشعب اليهودي”. وأضاف أن “الاستيطان اليهودي، رغم الصعوبات، أظهر نتائج واعدة بالفعل، حيث ساهم في التنمية الاقتصادية لفلسطين وأدخل أساليب عمل حديثة ومستوى معيشي أفضل، مما قد يساعد السكان العرب في تحسين مستوياتهم المعيشية”.

وأكمل بوروخوف قائلاً: “إننا نطالب اليوم بفلسطين ليس فقط بوصفها رغبة آنية نابعة من الحركة الصهيونية، بل لأنها مطلب الغالبية العظمى من الشعب اليهودي الديمقراطي. إن إعادة تشكيل الحياة الاقتصادية اليهودية بشكل جذري يفترض نقل جزء كبير من الجماهير اليهودية إلى الأرض والعمل في الإنتاج الأساسي. إن الاستيطان اليهودي الجاري في فلسطين، رغم الصعوبات والعراقيل، يحقق نتائج مشجعة ويشكل بداية مجتمع يهودي قائم على العمل والثقافة، ومن المتوقع أن يصبح مركز جذب للمهاجرين ورافعة للنهضة الوطنية اليهودية”.

ولم يكتفِ بوروخوف بالتركيز على الجانب الاقتصادي والسياسي، بل انتقد الصهاينة الذين رفضوا استخدام اللغة اليديشية باعتبارها لغة الشتات. ففي كتابه “العبرية العسكرية” الذي نُشر عام 1913، هاجم من سماهم بـ”العبرانيين المتشددين”، ومن بينهم زئيف فلاديمير جابوتنسكي، لرفضهم الاعتراف بأهمية اليديشية كلغة ثقافية وطنية.

وفي أثناء جولة محاضرات له، أصيب بوروخوف بالتهاب رئوي وتوفي عام 1917 في كييف، وهو في أوج نشاطه السياسي والفكري.

0

Your Cart