أنطون سعادة: ﺳِﻴﺮَﺓ

ولد:1 مارس 1904، الشوير، جبل لبنان.
توفي: 8 يوليو 1949، بيروت، لبنان.
ولد أنطون سعادة في 1 مارس 1904 في بلدة الشوير في جبل لبنان، كان والده الدكتور خليل سعادة طبيباً بارعاً ولغوياً خبيراً، وقد ألف أول قاموس إنكليزي-عربي، بينما كانت والدته السيدة نايفة نصير قد نشأت في الولايات المتحدة وتعلمت هناك، في البداية تلقى أنطون سعادة تعليمه في إحدى مدارس الجالية السورية في القاهرة وبعد وفاة والدته في 1913، عاد إلى لبنان تحت رعاية جدته وأعمامه. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، عانى سعادة من ظروف صعبة اضطر أنطون الذي كان في العاشرة من عمره إلى تحمل مسؤولية رعاية إخوته الصغار خلال هذه الفترة، التحق هو وإخوته بمأوى برمانا للأطفال والنساء أمضوا فيه سنوات الحرب.
كان أنطون سعادة مفكراً وقائداً سياسياً لبنانياً ” أسس الحزب السوري القومي الاجتماعي ” في عام 1932، كان حلمه توحيد الأمة السورية من خلال القضاء على الطائفية والتجزئة التي فرضها الاستعمار. نشأ في بيئة ثقافية متنوعة وهذا ما ساعده على تطوير أفكاره ورؤيته الاجتماعية والسياسية.
بدأ عمله السياسي في المَهجر، حيث شارك في تحرير الصحف وناقش قضايا الاستقلال والوحدة القومية، في عامي 1922 و1923 نشر مقالات عن استقلال سوريا والقضايا الاجتماعية. لكن ضغط العمل دفعه لإيقاف الجريدة اليومية وإعادة إصدار المجلة التي أطلقها سابقاً في الأرجنتين من خلالها برزت توجهاته النهضوية والقومية.
في عام 1926، أسس أنطون سعادة ” الرابطة الوطنية السورية “، لكنها لم تلقَ نجاحاً بسبب ضعف التنظيم والنشاطات العلنية البسيطة، فتركها ليؤسس في عام 1927 حزب “الوطنيين الأحرار” في البرازيل الذي واجه مصيراً مشابهاً بعد توقف المجلة في العام نفسه، اتجه إلى التعليم ضمن لجان تربوية حكومية.
أسس حركة سورية منظمة تنظر في شؤون سوريا الوطنية ومصير الأمة السورية، بدأ الحزب كتنظيم سري يستهدف فئة الشباب ودعا إلى مبادئ القومية السورية، فصل الدين عن الدولة، وبناء دولة حديثة تعتمد على الوحدة القومية والانتماء إلى الأرض بعيداً عن الانقسامات الطائفية، رغم الملاحقات السياسية التي تعرض لها بسبب مواقفه، استمر سعادة في التمسك بقضيته وأصبح شخصية محورية في الأوساط الشعبية، عاد إلى لبنان بعد سنوات من المنفى، لكنه واجه ضغوطاً متزايدة من الحكومة، وفي عام 1949 تم إعدامه بعد محاكمة سريعة، ورغم هذه النهاية المأساوية بقيت أفكاره رمزاً للنضال والتضحية من أجل القيم التي آمن بها.1
اتبّع سعادة في تحليله للصهيونية منهجًا علميًا ماديًا، حيث درس المسألة اليهودية في أوروبا وتأثيراتها الاستعمارية في فلسطين. قدم سعادة منذ مئة عام فهمًا عميقًا للصهيونية، التي حولت اليهود من طائفة دينية إلى قومية، مبتعدًا عن الخرافات الشائعة مثل “المؤامرة العالمية” و”عبقرية اليهود”. كان يركز على تحليل أهداف الصهيونية من خلال تاريخ اليهود والمصالح الاستعمارية في المنطقة.
وكان سعادة في فهمه للصهيونية أكثر وضوحًا من السياسيين في المشرق العربي، بما فيهم قادة الحركة الوطنية الفلسطينية. فقد دعا مبكرًا لمواجهة الهجرة اليهودية، مشيرًا إلى أن هذه القضية ليست مسألة تعصب ديني أو كراهية عرقية، بل كانت دفاعًا قوميًّا لحماية حقوق الفلسطينيين وسوريا من الخطر. في سن السابعة عشرة، قال سعادة: “أكبر تهديد يواجه الأراضي السورية هو الصهيونية، التي تدعمها أقوى دولة بحرية في العالم: بريطانيا”.2
كتاب نشوء الأمم لأنطون سعادة هو دراسة إجتماعية علمية تركز على تعريف الأمة وشرح كيفية نشوئها وتطورها في سياق التفاعل البشري مع البيئة والتاريخ، يرى سعادة أن الأمة هي كيان إجتماعي نشأ بفعل عوامل متعددة مِثل البيئة الجغرافية، والتجارب التاريخية المشتركة، وأنها تتجاوز المفاهية السطحية كالعِرق أو الدين، يوضح سعادة بأنه أعد مؤلفه في جزئين لهدف واضح تناول في الجزء الأول ” تعريف الأمة وكيفية نشوئها ومحلها في سياق التطور الإنساني وعلاقتها بمظاهر الإجتماع “، أما في الجزء الثاني ” نشوء الأمة السورية وعلاقتها بالأمم الأخرى وبالإتجاه العام “.
ميز أنطون سعادة بين المنهجين الديني والعلمي في تفسير نشوء النوع البشري، إعتبر المنهج الديني معتمداً على حكايات وتأيلات تتعلق بالخلق المستقل، بينما المنهج العلمي يعتمد على البحث والتجربة والمنطق والتحليل لدراسة تطور الحياة والكائنات. فضل سعادة المنهج العلمي في نشوء النوع البشري لإنه يستند إلى أسس منطقية وحقائق مادية. وأشار أن العلم كشف عن ترابطات الكائنات في سلسلة تطور الحياة. رغم انتقاده للتأويلات الدينية لم ينكر أهمية الدين وتأثيره في حياة البشر، لكنه دعا إلى عدم الخلط بين الدراسة العلمية والإجتهادات الدينية. إعتبر أن سؤال من أين جاء الإنسان؟ لا يمكن الاجابة عليه ضمن إطار علمي يشمل نشوء الحياة بشكل عام، مما يعكس موقفه الواقعي والعقلاني في التعامل مع القضايا الفكرية.
يركز سعادة التفاعل بين القوى الإجتماعية والحقوق الأهلية في المجتمع مُشير إلى هذه الحقوق ليست نتيجة لتدخل الدولة، بل هي منبع من القوى في المجتمع مثل الدين والعادات التي تُساهم في ضمان سلامة المجتمع وبأنه لا يمكن رسم حدود حقيقية بين مراحل تطوور الثقافة الإجتماعية. بدايات الدولة كان يتم الإعتماد على الطوطم أي نظام إجتماعي وثقافي يُميز بين العشائر والقبائل. مع تطور المجتمع بدأت تظهر ظواهر جديدة مثل السلطة القبلية التي يمثلها الشيخ أوالأمير. بدأ التراجع عن نظام الطوطم وإنشاء نظام إماري. بدأ الشيخ أو الأمير بتأسيس سلطته مما عكس صورة جديدة للدولة التي تعتمد على السلطة الفعلية وأصبح إجتماع الشعب أمراً أقل أهمية.3
تعرض أنطون سعادة للاعتقال ثلاث مرات خلال مسيرته السياسية بين عامي 1935و 1949. في عام 1935 تم اعتقاله بسبب تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، وحُكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر. بعد خروجه من السجن في مايو 1936 تم اعتقاله مرة أخرى في يونيو 1936 بسبب نشاط الحزب المتصاعد، وظل في السجن حتى نوفمبر من نفس العام. اعتُقل للمرة الثالثة في مارس 1937 بعد حادث في بكفيا أثناء احتفال حزبي واستمر سجنه حتى مايو1937. في عام 1938 نُفي إلى الأرجنتين بسبب نشاطه السياسي المعارض للسلطة اللبنانية.في 6 يوليو 1949 تم اعتقاله بعد إعلان الحزب ثورة ضد الحكومة اللبنانية. تم تسليمه إلى السلطات اللبنانية وأُحضر إلى بيروت في 7 يوليو في محاكمة سريعة. دافع عن نفسه ورفضت المحكمة تأجيل الحكم. أُعدم في الساعات الأولى من صباح 8 يوليو 1949 دون السماح له بلقاء عائلته. على الرغم من السرية التي أحاطت بالمحاكمة، فإن شجاعته وثباته في لحظاته الأخيرة جعلت منه رمزاً في التاريخ السوري الحديث.4